بعد دخوله مضمار المسابقات والمعارض الدولية لفن التصوير الضوئي وتحقيقه العديد من الجوائز والميداليات والشهادات، منح الاتحاد العالمي للتصوير الضوئي ومقرّه في إيطاليا لقب التاج الأول للمصور السوري بنكين أحمد، ليدخل اسم سوريا للمرة الأولى في قائمة حاملي ألقاب التاج في الاتحاد خلال شهر شباط فبراير 2020.

شارك الفنان بنكين أحمد بأعماله في التصوير الضوئي في المسابقات التي أُقيمت في أكثر من خمس عشرة دولة، حصد خلالها ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية بالإضافة إلى جوائز شرفية وشهادات، مُنحت من الاتحاد الدولي الفيدرالي لفن التصوير الضوئي، وجمعية التصوير الأميركية، وعدد من المنظمات والاتحادات المعنية بفن التصوير الضوئي، والتي ترعى رسميا هذه المسابقات والمعارض.

وحسب نظام النقاط المعتمد في الاتحاد العالمي للتصوير، فإن هذه الجوائز تعادل نقاطا تخوّل المصور الحصول على ألقاب أعلى بناء على مجموعها، وكلما زاد عدد النقاط المحققة، ارتقى المصور بالألقاب.

بدأ بنكين أحمد المولود في حلب في العام 1986 مسيرته في فن التصوير الضوئي في العام 2007 امتدادا لشغفه وعمله في مجال الفنون الرقمية والتصميم والإخراج، وقد أقام معرضه الفردي الأول بحلب في العام 2009، قبل أن ينتقل إلى دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة وألمانيا، ليقدم أعمالا في مواضيع ومحاور مختلفة من خلال أماكن إقامته وخلال أسفاره. من أبرز تلك المواضيع تصوير الخيل، والبورتريهات، والتصوير المعماري، وكذلك المفاهيمي، وغيرها. ويقدم الفنان محاضرات وورش عمل في فن التصوير.

هو عضو في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية مثل الاتحاد الدولي الفيدرالي لفن التصوير الضوئي (FIAP) ومقره في سويسرا، والاتحاد العالمي للتصوير الضوئي (GPU)، واتحاد المصورين العرب، وجمعية التصوير الأميركية (PSA)، ومركز الخليج للمصورين، ساعيا إلى وضع بصمة سورية وكردية أخرى في هذا المجال، والمساهمة في تسليط الضوء على النتاج الفكري والثقافي والفني لسوريا بكل مكوناتها من أبناء الآلاف من الأعوام من الحضارة، على أمل أن يقدم شيئا ما وإن كان بسيطا، معتبرا هذا الإنجاز مجرد ذرة ضوء صغيرة أمام ضياء عدسات مصورين وثّقوا ما فعله الطغاة والعنصريون والطائفيون وقوى الاحتلال التي جلبوها لتدمير مهد الحضارة وفنونها وسلب هويتها وسيادتها، مؤمنا بأن للفنون والآداب وتحديدا التصوير الضوئي أثرا في رسم ملامح كل مرحلة زمنية واستشراف مستقبل واعد يملؤه الفن والسلام.

في حوار معه أجرته مجلة “الجديد” في عددها الأخير حول تجربته اللافتة وآرائه في فن التصوير.

يتحدث الفنان عن علاقته بالفوتوغراف، وعما يعنيه له أن يلتقط صورة لكائن أو ظاهرة أو موضوع. ينبّه الفنان إلى أن هذا الفعل الفني هو من الأمور التي لا يمكن شرحها بعبارات مباشرة أنها تدور في فلك المعرفة الفطرية أكثر منها في المعرفة الذوقية، هذا حسب المذهب الفلسفي لمحي الدين بن عربي، كذلك كان حالي مع التصوير الضوئي، فالعين تقرأ المشاهد أحيانا بأكثر من تأويل، وتقرأ تفاصيل دفينة، ربما حين بدأت ألتفت إلى هذا بناء على المعرفة الفطرية، وطورت الأمر بالمعرفة الذوقية أو المكتسبة، والتي كنت وما زلت أستمدها من خلال فن التصميم والرسوميات، مذاك بدأت تتبلور علاقتي بفن التصوير الذي مكنني من سرد قصص وتقديم رسائل تقرؤها الأعين وتلمِس الوعي الإدراكي والوعي الباطن بشكل ما، رسائل ربما لا تترك لخيال المتلقي أن يرسمها إذا كُتبت بالحرف، وعليه فإن التقاط صورة لكائن أو ظاهرة أو موضوع هو سرد قصة بصرية وتجميد للزمن في لحظة ما لتوثيق الحدث أو تسليط الضوء على جمالية مشهد ما.

كل وجه حكاية

ولكن ماذا يريد هذا الفنان من تصوير الوجوه، وما الذي يحاول أن يقرأ في الوجه، هل هناك فلسفة من نوع ما لفن البورتريه في نظره؟ يقول بنكين أحمد إن الصورة أداة سرد قصصي، ولكل وجه قصة، وقد تتقاطع بعض التفاصيل من قصص وجوه الكثيرين وتروي فكرة معينة، فقد تعكس المزاج العام لمجتمع ما أو إثنية أو فئة معينة، وتخلق ربطا بين تلك الوجوه، مثل الشارب الطويل لدى الرجال الإيزيديين، أو الشعر واللحية الطويلين عند أبناء المعتقد السيخي، أو النظرة الحادة والقوية لدى البدو في منطقتنا، أو حتى عند الفتيات اللاتي يتبعن نمط الموضة السائدة في فترة ما، تلك المعالم تُشكل إطارا لتلك الفئات، ويكاد البعض ينظر إليهم كموضوع واحد، بيد أن هنالك الكثير من التفاصيل التي إذا ما دققنا فيها، لوجدنا أن لكل شخص لوحته الخاصة التي تعكس ما مر به في حياته وما يتأمله في مستقبله، تلك التفاصيل مدونة في تجاعيد الوجه وبريق العين والابتسامة التي تروي الكثير مما أبهج الشخص أو أحزنه، تلك بعض الأمور التي أبحث عنها في الوجوه، لكن أترك إطارها لتكمل باقي فصول القصة أحيانا، أو أقوم بتحييدها من خلال قص كادر الصورة أو معالجتها رقميا لأُبرز التفاصيل العميقة، ولعل أكثر ما يلفتني أن التفاؤل والأمل والسلام يمكن لمسها أكثر بكثير في وجوه من حياتهم بسيطة ومتواضعة مقارنة بالآخرين، هؤلاء يُعطوننا بصورهم الكثير من الدروس، إنني أصور لكي أتعلم دورسا في الحياة.

العين أولا

يعطي الفنان دروسا في التصوير، وهذه مناسبة للسؤال عن طبيعة النصيحة الأولى التي يمكن توجيهها لمن يمسك كاميرا للمرة الأولى. بنكين أحمد يقول للمصور:  آلة التصوير هي بمثابة قلم، وأنت هو الكاتب، وحبرك هو العلم والمعرفة والثقافة، والصورة التي ستلتقطها هي القصة التي سترويها، لكن الفضاء هنا أكبر وستعبّر به أكثر من الكلمات العادية. ويتعين على المصور أن يقرأ القصة بنفسه قبل أن يرويها في الصورة، عليه فهم المشهد ومعالمه، قبل ضغط زر التصوير، ومهما كانت آلة التصوير متواضعة أو متطورة، فإن العين هي التي رسمتها قبل أن تفعل الكاميرا.

هنالك قواعد للتصوير مثل قاعدة التثليث والنسبة الذهبية والعناصر المكررة وغيرها، وأنا أجدها خطوة انطلاق مناسبة في بداية طريق المصور، لكن في مرحلة تالية أريدها أن تصبح مجرد توصيات لا تُقيد المصور، وأنا على يقين أن تلك القواعد وُضعت لتُكسر بالإبداع. الأمر أشبه بتعلم الكتابة، ثم إطلاق العنان للتخطيط والتفنن به.

وحول زمن الصورة وأوقات التقاط الصور والحالة النفسية للمصور، وكذلك موضوعاته الشخصية يؤكد الفنان أن صور الخيل هي من بين أبرز أعماله إلى جانب بعض البورتريهات التي استوقفت تفاصيلها عشاق فن التصوير، كذلك بعض الصور في صحراء الربع الخالي، تلك الصور تُعيدني إلى تلك اللحظات التأملية في الصحراء أو على الجبال والاحتكاك بالخيل والطبيعة، إنها قوة الصورة في استنهاض المشاعر واللحظات الماضية من جديد. كلنا يُجمع على أن الزمن حين يمضي، ما من شيء يُعيده، لكن الصور والقصص تُعيد ذكريات اللحظات الماضية، وهذا يدفعني إلى اعتبار كل لحظة أنها لحظة تصوير وإلا فهي ماضية دون عودة. طبعا هنا نتحدث بصرف النظر عن توقيت الساعة الزرقاء والذهبية عند طلوع الشمس وغروبها.

ولعل التيقظ والحدس والوفرة المعرفية بالفن ومعالمه وقواعده تُكسب المصور المَلَكة في أن يستقرئ ما يحيط به من جماد وما يدور حوله من أحداث، وفي لحظتها يستل آلة التصوير ويلتقط المشهد، إذ يزداد تأهب المصور واستعداده نفسيا وزمنيا طردا مع المعرفة الذوقية وتناغمها مع المعرفة الفطرية، وبتعبير آخر الممارسة والتعلم يحيّدان قيود الزمن والحالة النفسية.

ولكن ماذا يعني للفنان أن ينال جوائز على بعض أعماله؟ بنكين أحمد يرى في المشاركة في المسابقات الدولية والمحلية، وإن لم تتحقق من ورائها جائزة، فرصة لتقديم الأعمال وعرضها أمام جمهور فن التصوير، وعندما يقرأ هذا الجمهور اسم سوريا واسم المصور باللغة الكردية،

فإن في ذلك  لفتة إلى ثقافة شعبنا ومكوناته التي كانت مجهولة للكثيرين حول العالم بسبب فاشية نظام الحكم من جهة، وأجندات الإعلام من جهة أخرى، وإذا حققت صورة ما ميدالية أو جائزة، يكون تسليط الضوء عليها أكبر وتحديدا تلك التي تعكس شيئا من التراث الشرقي وجماله كالخيل والزي التقليدي، وهذا هو المكسب الأكبر، وبكل تأكيد فإن حصد الجوائز والألقاب على الصعيد الشخصي يعزز ملف المصور ومسيرته والتعريف به في أوساط فن التصوير الضوئي.

حرية المصور

التصوير مرتبط بدرجة الحرية التي يتمتع بها الأفراد في المجتمعات. حتى وقت قريب كانت السلطات في البلاد العربية تخشى من الكاميرا فكيف تعامل مع هذه المسألة الفنان بنكين أحمد الخارج من تجربة العيش في ظل نظام شمولي له صبغة عسكرية تقيد حركة الناس وتستفزها عدسة الكاميرا، يعترف الفنان أنه فضلا عن تجنب التصوير في أماكن يكثر فيها عناصر الأمن ربما كنت أفضل حظا من العديد من الزملاء المصورين بهيئتي، وشعري الطويل، وارتياد أماكن مثل حي الجديدة في حلب القديمة وسوق المدينة التاريخي ومحيط المسجد الأموي كوني أحببت المواضيع هنالك، فيعتقد البعض أنني مجرد سائح عابر يسير بحرية، بينما كنت أسيرا محدود التنقل وأستخدم الكاميرا خلسة أحيانا لتجنب أيّ مآلات، كان الأمر مضحكا مبكيا، ولم أشعر بمدى هذه المعاناة إلا عندما انتقلت إلى دبي وسافرت إلى العديد من الدول وعشت الحرية القصوى في تصوير كل المواضيع في أيّ مكان.

الناس يتعاملون مع كاميرا المصور بتحفظ، فكيف يتصرف المصور عندما يلفته وجه وفي يده الكاميرا هل يختلس الصورة أم يسأل صاحب الوجه أن يسمح لك بتصويره، جل من طرح عليهم هذا السؤال من المصورين المسافرين في الشرق لديه حكاية طريفة أو حزينة. بنكين أحمد أقام في العام 2009 أول معرض فردي له بحلب، وتضمن ما يربو على 30 عملا. المؤسف أن عملين منها ينتميان إلى فن البورتريه، رجل وسيدة، وكلاهما كانا في خريف العمر. العُرف المجتمعي والخشية أحيانا حالا دون تصوير الأشخاص. لكن عندما يسافر المصوّر ويطلب من أهالي البلد الذي يزوره أن يصورهم، يلقى قبولا أكثر من أن يطلب منه مواطنه، وفي كل الأحوال، يعتقد الفنان أن السؤال واجب ومن أُسس وأخلاقيات المصور، نجد البعض رحب الصدر وآخرين يتحفظون، لكنني أجد تقلصا نسبيا في هذا بعد انتشار الهواتف ذات الكاميرا وشبكات التواصل الاجتماعي، فقد بات تداول الصورة أكثر سلاسة. أحيانا قد أختلس صورا بعد الحصول على موافقة الشخص وأخذ لقطات مباشرة، بعدها ألتقط أخرى دون انتباه الشخص عندما يكون على سجيته وعفويته، ثم أُطلعه عليها ليأذن لي بها.

لكل مصور مصورون ألهموه أو شكلوا بأعمالهم حافزا له مع بداية تجربته مع الكاميرا، لكن بنكين أحمد ليست هنالك أسماء محددة وراء تجربته، وكما يقول فإن الصور بالأبيض والأسود، خصوصا التجريدية شكلت دافعا ومحرضا وحفزت رغبته في التصوير أيا كان الفنان الذي التقط تلك الصور، كذلك كان لأعمال الفنانين التشكيليين والنحاتين السوريين مثل لؤي كيالي وعبدالرحمن موقّت وفاتح المدرس أثر في التعرف على منظور جديد للفن من خلال أساليبهم.

لكن مع مرور الأيام وبعد قراءة العديد من الكتب ومشاهدة الكثير من المقاطع المرئية على شبكة الإنترنت حول التصوير الضوئي، واحتكاك الفنان بالعديد من الزملاء من اتحاد المصورين العرب ومركز الخليج للمصورين، تكوّنت لديّه قناعة أن كل مصور هو مصدر إلهام بالنسبة إليه لا يجب أن ينقطع.