في أعقاب إلغاء السلطنة العثمانية وانحسار الوجود التركي بسوريا والعراق وعدد من الدول العربية، حملت على عاتقها نخبة من المثقفين والمفكرين والأدباء بدمشق مهمة إعادة إحياء اللغة العربية بعد سياسة التتريك التي فرضها العثمانيون لتتسبب بمعاناة الثقافة العربية، خصوصاً في ظروفٍ لم يتسنَ للكثيرين التعلم أو ارتياد مدارس التعليم النظامي، وفي وقت كانت لغة المؤسسات الرسمية هي التركية، بالإضافة إلى ديدن وطبع فئة من المجتمع العربي وخصوصاً من العائلات الأرستقراطية، كانوا يتحدثون التركية بدلاً من لغاتهم الأم، لظنّهم أنه شكل من أشكال الرقي، فلنا أن نتخيل الحال في حقبة قلّ فيها النتاج الأدبي والفكري بالعربية نتيجة الكثير من العوامل السياسية والحروب والأوضاع الاقتصادية وتحدياتها.

أسست تلك النخبة مجمع اللغة العربية في العام 1919 برئاسة العلّامة الدمشقي محمد كرد علي، وبالمناسبة هو من أب كُردي وأم شركسية، وقد تبوء العديد من المناصب ومنها أول وزير للمعارف والتربية بسوريا، وقام المجمع منذ قيامه بتعريب مؤسسات الدولة، إذ انكب أعضاؤه على ترجمة كافة المصطلحات والمفردات والعبارات المستخدمة في الفترة العثمانية إلى العربية، كذلك ترجمة كل ما يتعلق بالعلوم التطبيقية والصناعة والتقنية وأسماء الاختراعات والأجهزة، هذا فضلاً عن ترجمة الكتب الأجنبية، ونقل ما جاءهم من الغرب الذي دأب على تطوير العلوم والصناعة منذ عصر النهضة في الفترة التي لاقت العلوم والفلسفة انحسارناً تدريجياً في السلطنة العثمانية، الأمر الذي تسبب بفجوة بيننا وبين الغرب.

وباعتقادي فإن نهج الترجمة وقتذاك كان أدق وأفضل مما هو عليه اليوم، إذ كانوا يعمدون إلى ترجمة المفاد، بعكس ما يحدث اليوم حيث تتم الترجمة الحرفية غالباً، فمثلاً جهاز الراديو يستقبل موجات كهرومغناطيسية ويحولها إلى صوت، وكلمة راديو يُقصد بها الأمواج الاشعاعية، لكن المترجمين العرب تدارسوا وظيفة الجهاز والغرض منه وتقديم المفاد لاسمه، فأسموه “المِذْياع” لأنه يُذيع الصوت، ولم يترجموه إلى شيء ذي صلة بالأمواج أو الكهرومغناطيس، وهذا منطقي جداً.

غياب الرقيب في الترجمة والإعلام

ولا يغفل عنا هول الأخطاء الشائعة في إعلام اليوم، وترجمة المفردات الأجنبية إلى كلمات عربية يندى لها الجبين، ومن المؤسف أن الأمر يزداد سوءاً، فنرى كيف أصبح الكثير من البرامج التلفزيونية تتحدث بالعامية وليس العربية الفصحى، كذلك هو الحال مع برامج منصات التواصل الاجتماعي، بل حتى أن كتباً قديمة من الأدب العربي أصبحت تُترجم إلى اللهجات المحكية.

كل هذا في ظل غياب الرقيب، وتولي غير المؤهلين مناصب القرار في محطات التلفزة والوكالات الإبداعية والإعلانية، وهي فئة تعتبر أن التحدث بالعامية وخلطها بمفردات غربية شكل من أشكال الحداثة أو اللطافة، وأن التحدث بالفصحى غدى أمراً بالياً لا يتقبله الجمهور، لكننا نعلم أن ذوق المشاهدين والقراء بات يحدده الإعلام وليس العكس، والأدهى أن الكثيرين من تلك الفئة لا يجيدون العربية الفصحى بطلاقة، بل أن البعض منهم لا يعتبرون أنفسهم عرباً وأنهم فينيقيون أو غير ذلك، لكنهم في الوقت نفسه يُصرّون على الترجمة الحرفية التي يأتون بها، ويفرضونها بزعمهم أنهم متمكنون من العربية، وذلك لمجرد أنهم أصحاب القرار، وإن استمر هذا الحال، فلا استبعد أن تعيش اللغة العربية محنةً كما في العهد العثماني.

تحديات الترجمة

وبالعودة إلى عنوان هذا المقال، فإن ظهور الابتكارات والاختراعات بات بوتيرة أسرع، فلدينا الكثير من المصطلحات التي يتعين علينا ترجمتها، ومنها مصطلحات الجيل الثالث من شبكة المعلومات (ويب 3) وكل ما يتعلق بعالم العملات الرقمية المشفرة وفضاء الكون أو العالم الماورائي (ميتافيرس) وما فيه من الصكوك غير القابلة للاستبدال.

ثمة تحديات قد يواجهها المترجمون لهذه المصطلحات، فمنها كلمات هي اختصارات لعبارات، كذلك ترجمة عبارة تحولت إلى كلمة عامية بالإنجليزية، وأحياناً كلمة كُتبت بخطأ إملائي وسرت على الجميع وتم اعتمادها، إذ أننا أمام شريحة من المولعين بالبرمجة والتداول والتصميم، ولهؤلاء مزاجهم الخاص الذي يغلب عليه طابع الفُكاهة والطرافة، فيستوجب علينا تقريب الفكرة قدر الإمكان إلى أذهان المتحدثين بالعربية.

أما التحدي الأكبر هو غياب هيئة أو جهة مختصة تعنى بترجمة هذه المصطلحات، خصوصاً مع تخافت حضور أول مجمع للغة العربية بدمشق الذي أسلفنا ذكره، وأخشى ما أخشاه أن يأتي يوم ويصبح مجمع اللغة الفارسية، لما نراه من تحولات في المنطقة وسط صمت العالم والكثيرين من المهتمين باللغة.

قد يكون هذا جهداً فردياً متواضعاً، لكن من خلال قراءة المقالات وحضور الجلسات الحوارية في مساحات تويتر ومحتوى شبكات التواصل الاجتماعي، التمست الحاجة لتقديم توضيحات وترجمات لمصطلحات هذا الفضاء الجديد، وقد ذكرت البعض منها بمقال سابق في العدد 12336.

Web 3
الجيل الثالث لشبكة المعلومات (ويب 3)

أبرز ما يميزه عن الجيل السابق هو التركيز على الأفراد وليس المجتمعات، البث المباشر أكثر من التدوين، تطبيقات ذكية وذكاء صنعي، الإعلان السلوكي أكثر من التفاعلي، دعم المستخدم والخصوصية، استخدام واسع للرسوميات ثلاثية الأبعاد، مملوك من قبل جهات ويُشارك عبر الشبكات، يدعم اللا مركزية، وفيه استخدام سلاسل الكتل والكون الماورائي ملحوظ.

Blockchain
سلسلة الكُتل

شبكة تُخزَّن البيانات كسجلات على عدد كبير (مئات الآلاف) من أجهزة الكومبيوتر المتصلة ببعضها، وتدعم المركزية واللا مركزية.

NFT / Non-Fungible Token
الصكوك غير القابلة للاستبدال

للأسف يسميها البعض “الرموز” غير القابلة للاستبدال، ولكن اصطلاح “رموز” من الأخطاء الشائعة، حيث أن كلمة “توكن” لا تعني “رمز” فهي ليست شيفرة ولا رمز بصري كالشعارات، بل هي أشبه بقطعة نقدية إلكترونية أو صك إلكتروني يُعبّر عن صورة أو رسمة أو مقطع سمعي أو مرئي أو تغريدة أو نص، تم وضعه على شبكة سلسة الكتل من خلال عملية الصَّك.

Minting
الصَّك

عملية وضع صك غير قابل للاستبدال لصورة أو أي شيء بصيغته الإلكترونية على شبكات سلاسل الكُتل، وإدخال البيانات عنها كالتاريخ وحقوق الملكية والسعر وخصائص الملف والتصنيف، وتحديد المنصة التي سيُعرض عليها ليتم تداولها، تُسمى بالصَّك، وينتج عنها عقدٌ ذكي (على هيئة عنوان مشفّر من الأحرف والأرقام) يتم تسجيله على كافة أجهزة سلسة الكُتل، وفيه توجد بيانات الصك.

Smart Contract
العقد الذكي

الأمر مقعد بعض الشيء، لكن لتبسيطه قليلاً بإمكاننا القول أنّه مشابه للعقود الواقعية، لكن هنا إلكتروني، وهو عبارة عن برنامج كومبيوتر مصغر يُخزّن على سلاسل الكتل ويقوم بوظائف يتم تحديدها لدى إنشائه، مثل معاملات بيع وشراء الصكوك غير القابلة للاستبدال، وهو مُتاح للجميع للاطلاع عليه من قبل الجميع.

طبعاً الأمثلة كثيرة والتفاصيل معقدة وتحتاج مقالاً مستقلاً يستهوي التقنيين.

Staking
الاحتفاظ أو التجميد

وهي عملية امتناع المالك لعملة رقمية مشفّرة أو صك غير قابل للاستبدال من بيعه لفترة محددة وفق تعهد بموجب عملية القفل، الأمر الذي يضمن الحفاظ على قيمة العملة أو الصك، وبذلك يحصل المالك على مكافئة من عملات رقمية مثلاً، لتكون مصدراً جديداً للربح.

Hodl/Hold
التمسّك

قام أحد جهابذة العملات المشفرة ذات يوم بكتابة كلمة التمسّك بالإنجليزية (هولد) بخطأ إملائي (هودل) وتفاعل الجميع معها وأصبحوا يقلدونه وبات المصطلح سارياً ليشير إلى التمسك بالعملات أو الصكوك عند هبوط أسعارها والامتناع عن البيع حتى يتغير اتجاه مؤشر السعر نحو الأعلى من جديد، فيتجنب بذلك البيع بخسارة، أو أن يصبر المستثمر فترة أطول على أمل ارتفاع السعر أكثر لجني أرباحاً أعلى.

Diamond Hands
الأيدي الماسّيّة

يعبّر عن المستثمرين الذين يُحجمون عن البيع ويصبرون لفترات زمنية أطول على أمل تحقيق المزيد من الأرباح مع استمرار مؤشرات الأسعار بالصعود، كالذين اشتروا قطعة بيتكوين في بداية العام 2017 بألف دولار، وتمسّكوا بها ولم يبيعوها حتى بداية العام 2022 فقد حققوا ربحاً بلغ 40 ألفاً.

Paper Hands
الأيدي الورقية

ويشير للمستثمرين عكس الأيادي الماسية، الذين يبيعون استثماراتهم بعد فترة وجيزة أو بمجرد توجه مؤشرات الأسعار نحو الهبوط، وغالباً يتكبدون بخسائر جمّة.

Whales
الحيتان

هم كبار المستثمرين الذين يملكون رصيداً ضخماً من عُملة معينة، وقد يتسبب بيع حصصهم بالتأثير السلبي على مؤشر السعر، أو شراء أحدهم عملة ما بكمية ضخمة بالتأثير الإيجابي ورفع السعر واستقراره في بعض الحالات.

No-Coiner
عديمو العملة

ويُقصد به الأشخاص الذين لا يملكون عُملات رقمية مشفّرة ويعتقدون أنها عديمة القيمة وهي محض فقاعة لا يُعوّل عليها، والبعض منهم يثير الرهاب والقلق والقلاقل لدى المستثمرين.

FUD / Fear, Uncertainty and Doubt
الخوف والريبة والشك، وأُفضّل القول “رُهاب الشك”

وهي خلق حالة من الذعر في أوساط المستثمرين لحيدهم عن عملات أو صكوك معينة بُغية النَيل منها وإبعاد المستثمرين الجدد عنها، وأحياناً تقوم بعض الشركات الاستثمارية أو الحيتان بذلك لتخفيض سعر عملة ما ليشتروها بثمنٍ بخس، فيصعد من جديد بمجرد شرائهم لها بكمات كبيرة، ليستبشر المستثمرون الصغار ويتهافتون على شرائها بسعرها الجديد المرتفع، فتزيد أرباح تلك الشركات والحيتان.

P&D / Pump and Dump
الضخ والتفريغ

وهي عملية الاحتيال الآنفة الذكر، فبعد تهافت المستثمرين الجدد وشرائهم لعملة ما بسعر مرتفع، يقوم الحيتان أو مؤسسو العملة ببيع كامل رصيدهم مجدداً فيحققون ربحاً ويتكبد الصغار بالخسائر، والأمر ليس بجديد فهو رائج في سوق الأسهم حين يتم تضخيم أسعارها بهدف الاحتيال.

Scam
الاحتيال

مصطلح متداول بشكل واسع وواضح، ويكثر استخدامه في فضاء العملات المشفرة والصكوك غير القابلة للاستبدال، فكون الفضاء هذا لا مركزي، فإن المسائلة والملاحقة تكون محدودة، فيجب توخي الحذر ودراسة مشروع أي عملة أو صك قبل الاستثمار، وثمة اليوم جهات تدقيق تقوم بتمحيص العقد الذكي للعملات والصكوك وتمنح شهادة أمان لها، فيستند الكثير من المستثمرين إليها قبل الشراء ليبقوا آمنين.

Rugged / Rug Pull
سحب البساط أو الإيقاع والوقوع

وهو مصطلح مجازي تحول إلى كلمة عامية، يعبر عن سحب المحتالين للبساط تحت أرجل المستثمرين، فيقعون أرضاً أي يخسرون استثمارهم، ويستخدم كذلك تجاوزاً حين يفقد أحدهم الاتصال في إحدى محادثات “مساحات تويتر” فنقول عنه “وقع”.

FOMO / Fear of Missing Out
الخوف من فوات الشيء أو رُهاب الفوات

وهي حالة من الذعر تصيب المستثمرين الظانين أن الاستثمار في عملة معينة سيفوتهم، فيستعجلون الشراء، ليكون لذلك مآلات غير حميدة أحياناً.

To the Moon
إلى القمر

مصطلح مجازي عن أن مؤشر السعر سيصعد بعيداً بشكل صاروخي حتى يصل القمر، يُستخدم عادة للاحتفال بنجاح عملة أو لدَبّ الحماس.

أرجو أن يكون هذا المقال من خلال صحيفة العرب باكورة جهود مشتركة وحثيثة، وأن يراه المهتمون بالجيل الثالث للويب بمثابة دعوة لجمع كوادر وفرق عمل تأخذ على عاتقها مهمة الترجمة على نهج الرعيل الأول في مجمع اللغة العربية وليس الترجمة الحرفية أو النَقحَرة، لننقذ الموقف قبل فوات الأوان، إذ أن العربية ليست لغة تخص العرب وحدهم، بل أيضاً الكُرد والشركس والأمازيغ والأقباط وكافة الشعوب التي استنارت العلم ذات يوم بهذا اللسان، وما نرنو إليه هو خلق أرضية مفاهيم مشتركة في هذا المجال، تكون واضحة ودقيقة، فلا نريد أن تؤل حالنا إلى ما وصفه المتنبي:

“أقول له عمراً فيسمعه سعداً … ويكتبه حمداً وينطقه زيداً”.